أخبار ثقافيةأنشطة ثقافية

كلمة وزير الشؤون الثقافية محمد زين العابدين في الإحتفال بذكرى مرور ستين سنة وسنة على تونسة المعهد الوطني للتراث

إن الاحتفال بمرور ستين سنة وسنة على تونسة المعهد الوطني للتراث (المعهد القومي للفنون والآثار سابقا 1957/2018) يتنزل في إطار إبراز مختلف الإنجازات التي حققها المعهد في حفظ التراث وصيانته من التلف والاندثار، بفضل مجهودات كل المنتمين إلى المعهد، فمن خلال كتيب هذه التظاهرة الهامة ستتضح الصورة الحقيقية للأدوار المناطة بعهدته، ونكرم من خلالها رجالات حفظتهم الذاكرة ورسمت أسماءهم في سجل المبدعين، حيث اهتموا برصيدنا التراثي الباهر الذي يعد من أثرى الأرصدة في العالم لتنوع مضامينه وخصوصياته، بحثا واكتشافا وترميما وصيانة، فغدت تونس قطبا حضاريا وتاريخيا متميزا وقبلة للباحثين من كافة أصقاع العالم بحثا وتوثيقا لمختلف الحضارات المتعاقبة على أرضنا، وما أنتجته من كنوز تراثية لا تمحى متحدية التاريخ وصروفه، وصمدت في شموخ وأنفة شاهدة على مخزوننا الثري جدا والحامل لهوية وطنية متميزة أثبت التاريخ أصالتها وإشعاعها وطنيا ودوليا.
ومما لا شك فيه أن قطاع التراث في تونس ارتبط ارتباطا وثيقا منذ الاستقلال بالمعهد الوطني للتراث (المعهد الوطني للآثار والفنون سابقا) الذي شهد النور سنة 1957 تحت إدارة العلامة التونسي حسن حسني عبد الوهاب، وذلك في إطار اهتمام الدولة الوطنية بالمقومات التراثية الضاربة في القدم من ماقبل التاريخ إلى يومنا هذا، لرصد ما أنتجته الحضارات والثقافات المتعاقبة على بلادنا في تلاحق ثقافي عجيب ولد تراثا فسيفسائيا بديعا يندر وجوده في حرم الثقافة الكونية منذ تأسيس أولى العواصم التاريخية قرطاج، أخذا وعطاء وتأثرا وتأثيرا، فنفض المعهد غبار السنين عن هذا الموروث الوطني الذي عانى زمن الحقبة الاستعمارية من التهميش والانتقائية واضطلع بدور ريادي في صون الذاكرة الوطنية وتثبيت الاعتزاز لدى كل التونسيين بثقافتهم وهويتهم، ولا يسعنا في هذا الإطار إلا التنويه برواد المعهد الذي تحدوا الصعاب والمشاق وندوة الموارد البشرية والمادية غداة الاستقلال، فهب الجميع لحماية المعالم والمواقع واللقى الثمينة التي تم اكتشافها تحدوهم عزيمة فولاذية والغيرة على هذا المخزون، وضاعفوا الجهود فتتالت الحفريات وأعمال الصيانة والحماية وصدور النشريات والبحوث وجرد مختلف القطع والمجموعات التاريخية، وتدعم التعاون مع الجامعات الأجنبية، وقت استصدار القوانين والأوامر والقرارات المنظمة لكيفية التعامل مع هذا المخزون التراثي وكيفية استغلاله بالطرق المشروعة.
ولئن ساهم المعهد الوطني للتراث في صون الذاكرة الوطنية وترسيخ الوعي لدى كافة التونسيين بأهمية موروثه والاعتزاز به، فان الحرص اليوم كل الحرص على إدراج التراث ضمن الدورة الاقتصادية التنموية بالاعتماد على رؤية ناضجة ونموذجية في التعامل مع الرصيد الوطني التراثي المادي واللامادي تسويقا للسياحة الثقافية وتمتينا لعلاقة التكامل بين الثقافة التنمية استثمارا واستغلالا وتفتحا على الحضارات الأخرى، حتى يتجلى التراث عنصرا فعالا في الدورة الاقتصادية، غير أن ذلك لا يتحقق إلا بتظافر كل الجهود بالتنسيق بين المؤسسات الراعية للتراث : المعهد الوطني للتراث ووكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية تؤازرهما جهود وزارة الإشراف ومكونات المجتمع المدني علاوة على جهود كافة التونسيين في المحافظة على معالمنا التاريخية ومواقعنا الثقافية وصونها من أعمال التخريب والنهب بالتصدي للعابثين والمتاجرين بتاريخنا وتراثنا.
إن المحافظة على التراث وحمايته تدعونا إلى مواصلة الجهد والبذل والعطاء لمزيد العناية بموروثنا صيانة لذاتنا الثقافية والحضارية وإحكام توظيف مضامينها وقيمها الإنسانية النبيلة ليكون الإرث الثقافي والتراثي رافدا من روافد التنمية الاقتصادية، وحتى نكون جديرين بالتعامل بندية مع مختلف الثقافات والحضارات الأخرى.

الدكتور محمد زين العابدين
وزير الشؤون الثقافية

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى