موقع أثري يمتد على مساحة 62 هكتارا بطبربة: “هنشير الجال” شاهد على الاستقرار البشري الذي يعود إلى فترة فجر التاريخ

بعيدا عن مدينة طبربة من ولاية منوبة، وعبر طريق جبلي متعدد الانعراجات، غني بالمناظر الطبيعية الخلابة، بين سهول وهضاب ومرتفعات، وعلى بعد ما يقارب الثلاثين كيلومترا يقع الموقع الأثري “هنشير الجال”، نسبة إلى عين الجال التي تتدفق مياهها من بطن جبل الأنصارين.

ويمتد هذا الموقع الأثري المهمّ على مساحة تقدر بحوالي 62 هكتارا، ويتميز بتنوّع مكوناته، إذ أنّ أقدم الشواهد الأثرية للاستقرار البشري تعود الى فترة فجر التاريخ، وهي متمثّلة في قبور جلمودية وحوانت وتحديدا هي بمثابة الغرف الجنائزية المكعّبة.

أما المدينة الرومانية والتي تعرف ب”أوزالي سار” فتحتلّ وسط الموقع وهي تمتد على مرتفع صخري.

وتضمّ المدينة عددا من المآثر المعمارية كخزّانات المياه وبقايا الجدران، فضلا عن درج منقور في الصخر يؤدي إلى أسفل المرتفع حيث توجد بقايا حمّامات رومانية و عين ماء.

كما يتوفّر الموقع الذي لا تزال جلّ معالمه مطمورة على عدّة نقائش لاتينية وعناصر معمارية.

وقد مثّلت بعض مكوّنات الموقع مجال بحث لبعض الباحثين من المعهد الوطني للتراث ومن خارجه أيضا على غرار “نايدي فرشيو” و “جون بيراس”.

أما على مستوى المتابعة العلمية لهذا الموقع، فقد أدت الأبحاث الميدانية منذ سنة 2015 والتي قامت بها منية عديلي عن المعهد الوطني للتراث إلى تحديد مساحة الموقع، كما تمّ جرد معالمه البارزة للعيان وتوثيقها فوتوغرافيا مع تسجيل التموقع.

وقد أدّى هذا الجرد الى الكشف عن معالم أخرى لم تذكر سابقا وتوثيقها بمختلف أصنافها وأشكالها وأحجامها مع وصف تفاوت حالتها الإنشائية وسلامة مكوناتها الهندسية والمعمارية واختلاف الحقبات التاريخية التي تعود إليها، وقد ثبت أنّ أقدم الشّواهد الدالة على الحضور البشري بالموقع تعود إلى ما قبل الفترة الرومانية، لعلّ أبرزها القبور الجلمودية )الدلمان أو الدلمن ((Dolmens والقبور المنقورة في الصخر (حوانيت Haounet) و الأضرحة اللوبية (Mausolées) والبازيناس(Bazinas) (أي الحجارة المصففة)، إضافة إلى عدد من الآثار الرومانية نذكر منها حمّامات ومنشآت مائية هامّة وأسس وأنقاض جدران منازل ومبان خاصة أو عموميّة.