التراث
تسجيل “النقش على المعادن” ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية
أقرَت اللجنة الدولية الحكومية لاتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي لمنظمة اليونسكو يوم الأربعاء 06 ديسمبر 2023، وضمن دورتها 18 التي التأمت أشغالها بجمهورية بتسوانا تسجيل “النقش على المعادن” ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية، وذلك في إطار ملف ترشّح عربي مشترك ضمّ، إلى جانب تونس، كلاّ من العراق والجزائر ومصر وموريتانيا والمغرب وفلسطين والمملكة العربية السعودية والسودان واليمن.
وقد أنجز هذا العمل وزارة الشؤون الثقافية ممثلة في المعهد الوطني للتراث تحت مظَلة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الألكسو، وبإشراف السيدة الوزيرة، الدكتورة حياة القرمازي قطاط، وبذلك تعزّز تونس موقعها ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي، حيث أصبح لها سبعة عناصر مسجّلة، منها ثلاثة وطنية (فخار سجنان / الصيد بالشرفية/ الهريسة) وأربعة عناصر مشتركة (الكسكسي / الخط العربي/ النخلة /النقش على المعادن)، علما بأنّ بلادنا كانت ضمن الفريق العلمي المصغّر الذي أمّن صياغة الملف.
ينتمي هذا العنصر إلى الفنون الزخرفية التي تشمل طائفة كبيرة من المحامل يبرز فيها المعدن والحجر والجص والرخام والخشب والزجاج والجلد والفخار والصوف، وهي تعرف بالفنون التطبيقية نظرا إلى إحالتها على قطع ذات استعمال نفعي كالكراسي والأواني الفضية والزجاجية والمباخر والأباريق وقنينات العطور والزينة والفوانيس والثريات والصناديق والأطباق ويتمثل النقش على المعادن في إبداع رسوم على مهاد معدني بعد تحويلها إلى نقوش ناتئة أو غائرة حيث تتحوّل الخطوط المرسومة إلى عناصر تشكيلية متناسقة بفضل مهارة التحكم في الملء والفراغ وتناسب الأبعاد وإسقاطات الأضواء والظلال.
تتعدد فنون النقش ومهاراته وتتنوع أساليبها الفنية ومهاراته الحرفية التقليدية المؤسسة لهذا الفن، وقد انضافت إليها أساليب حديثة وافدة مع جيل جديد من النقاشين. وتتمثل هذه الأساليب في:
– النحت الناتي والنحت الغائر : هما أكثر الأساليب استخداما دون منازع. ويتمثل أولهما في حفر المهاد المعدني للحصول على أشكال زخرفية تكون بارزة متجاوزة لمستوى السطح المعدني. وهو في الحقيقة أنواع، حيث تختلف درجة نتوه النقوش في علاقة بسمك المهاد المعدني، فتارة تكون شديدة البروز وأخرى تكون متوسطة أو ضئيلة. أما النحت الغائر، فيعتمد إحداث تجويفات باستخدام تصميمات زخرفية ترسم مباشرة بأداة المنقاش أو بواسطة نماذج ورقية تعد سلفا.
– القوالب: هي قوالب تنقش عليها الصور والرسومات والكتابات التي يراد طبعها على القطع، وهي بدورها أصناف منها ما يصنع من الفولاذ ومنها ما يكون من الشمع حيث يصنع النقاش نموذج يضرب عليه النقيشه التي يريد ثم يذيب المعدني للقطعة ليطبع عليه النموذج المرسوم بالقالب قبل أن يشرع في معالجة القطعة بالمنقاش.
– التخريم: يتمثل في إحداث فتحات على المهاد المعدني. وهي إضافة إلى دورها الزخرفي، ذات قيمة وظيفية | بما أنها تسمح أحيانا بتهونة عدد من الأواني على غرار المباخر والمجامر. وقد تنفذ التصميمات الزخرفية بواسطة التخريم، وذلك بإضافة أسلاك ناعمة من الفضة أو الذهب أو النحاس أحيانا، وهو ما يعرف بتلبيس القشرة”.
– الترصيع: هو تركيب الأحجار الكريمة كالياقوت والمرجان على الذهب والفضة، وهو وإن كان متمايزا عن النقش، فإنّه كثيرا ما يتداخل فيه مانحا قيمة جمالية وفنية خاصة للمشغولات المنقوشة ليتكامل بذلك مع تقنيات أخرى مثل التذهيب والطلاء التمهيدي والتبييض والتلبيس.
– المينا التأكيد التناوب والتقابل بين الرسومات الزخرفية والأسطح الملساء بما يظهر أكثر النقوش ويمنحها لمعانا مثيرا، تستعمل مادة المينا السوداء أو الملونة، حيث تصهر تحت درجة حرارة مناسبة قبل أن تمرر لتملأ التجويفات.
– التكفيت : يقوم على تطعيم معدن رخيص مثل النحاس باخر ارفع منه ثمنا مثل الذهب والفضة، وذلك عبر إدخال خيط من الذهب أو الفضة إلى الفراغات المحدثة سلفا في المعدن بأداة المنقاش، فتركب زخارف كالنباتات أو غيرها، أو ترسم أشكال بديعة بالأسلاك عبر نقشها مباشرة وفي الحين.
يتراوح السجل الزخرفي للمنقوشات المعدنية بين البساطة والتعقيد حيث تكون أكثر كثافة في قطع الزينة المصنوعة من المعادن الثمينة، ففي النحاسيات يقتصر نقش بعض الأواني على إحداث تجويفات بسيطة على هيئات أهلة وأقواس ودوائر مشعة وخطوط مترابطة، وذلك عبر الطرق أو الحفر أما الأباريق والأطباق النحاسية ذات الطابع المشرقي فنقاتشها محفورة في غالبها، وهي تشكل زخارف متنوعة ومتطورة، فقد أضيف إلى الطابع الزهري والكتابي في القرن 17 وحدات جديدة مثل شجرة السرو والنخلة بأسلوب تجريدي، علاوة على المفردات المعمارية مثل القباب والمآذن المجسدة للمساجد والجوامع، وذلك قبل اندراج البلاد في السياسة السياحية التي أدت إلى تغيرات تجلت في إقحام موضوعات لم تكن معروفه على غرار الجمل والخيمة والمشاهد الصحراوية والواحية.
إن السجل الزخرفي التقليدي يقوم على تشكيلات هندسية مضبوطة ومتعارف عليها، وعلى مفردات مستوحاة من الطبيعة يتم تشكيلها عبر التكرار والتوزيع المنظم لتتحول إلى لوحات زخرفية منسجمة كثيرا ما تلتئم ضمن شكل شعاعي انطلاقا من دائرة نجمية كما هو الحال في الأطباق الكثيرة المسماة صينيات. وأحيانا تلتقى التشكيلات الهندسية والنباتية بالزخارف الكتابية القائمة على الخط العربي من نوع الثلث في أكثرا لأحيان، وإذا كنا نجد طائفة كاملة من النحاسيات خالية تماما من النقش على غرار أواني الطبخ كالبرمة أو النحاسة والكسكاس بحكم تعرضها للنار، فإن المشغولات التقليدية من الذهب والفضة لا تكاد تفلت من النقش، إذ بدونه تكاد تفقد جوهرها كمعادن نفيسة.
على صعيد الموضوع، يمكن تقسيم السجل الزخرفي المتداول إلى: الزخارف النباتية، الزخارف الهندسية، الزخارف الكتابية، الزخارف الحيوانية والزخارف الآدمية.
يتجلى هذا العنصر بوصفه حاملا لمضامين اجتماعية وأبعاد رمزية مختلفة ذلك أن ممارسته من قبل النقاشين والمختصين وسائر الحرفيين والفنانين المعنيين تبدو مندمجة في المجتمع وثقافته حيث تستجيب للأذواق وأنماط العيش السائدة بقدر ما تعكسها كما يشي ذلك ارتباط المنقوشات باستخدامات اجتماعية خاصة بحيث يمكن تصنيفها وفق إغراضها بتوزيعها وظيفيا بين الطعام والشراب والعطورات والأثاث المنزلي والحلي والديكورات والطقوس…..