الفنون الركحية و الدرامية

كلمة مؤسسة المسرح الوطني في اليوم العالمي للمسرح

تحتفي تونس اليوم 27 مارس 2023 باليوم العالمي للمسرح، وهي مناسبة أثيلة تتصدر في كل سنة ركح الزمن العابر كي ترسم في أذهان عشاق الفن الرابع سمو الإبداع المسرحي في مختلف تجلياته وتشكلاته وتعبيراته التي صممت على أن يظل المسرح فنا خالدا لا ينحني أمام طغيان الفرجة “التكنولوجية”، ولا تضمحل رؤاه أمام سراب الخيال الذي صار يشكله ما يسمى “العالم الافتراضي”.
بقي المسرح في كامل ربوع الكرة الأرضية واجهة تكشف مدى رقي الشعوب ومستوى الحضارة الإنسانية ونبل القيم الكامنة فيها. وصدقت مقولة “أعطني مسرحا أعطيك شعبا عظيما”، فما ينشره فن المسرح من فضائل وقيم فنية شكلت الذوق العام للشعوب المحبة لهذا الفن وسمت بسلوكهم اليومي، جعل النفوس تتوق إلى البحث الوجودي الدائم عن كنه الجمال والحب والخير والسلام وتنفر من كل معاني القبح والكراهية والشرّ والنزاع.
نشأ المسرح مع بدايات تشكل الوعي الإنساني ولعل الحضارة اليونانية أسطع دليل على أهمية هذا الفن في التأسيس للإدراك الإنساني لماهية الوجود، ورغم التوغل في التقدم التكنولوجي وارتقاء العقل الإنساني إلى أعلى مراتب المعرفة، صمد فن الركح في مرتبة سامية ولم يتضاءل دوره في تأثيث الذوق والفكر والعاطفة على حد السواء.
لم ينأ المسرح التونسي في نشأته عن قاعدة البحث الإنساني على الفضائل والقيم النبيلة، فكان في بداية تجليه طلائعيا وتوهجت أعماله على اختلاف مشاربها وأطروحاتها، ورغم جدته طبع قدمه راسخة في مقدمة المسارح الإنسانية الجديرة بالمتابعة والتنويه.
فما يحسب للمسرح التونسي أنه لم يكن البتة مسرحا متقوقعا منكفئا، بل نهل من نهر الإبداع الإنساني، وشكل مواضيع إبداعه من هواجس محلية وعالمية تشغل الناس وتملأ الدنيا، وهو ما أهله ليكون مسرحا تونسيا صميما بمواصفات عالمية لا يتوه الذوق الإنساني في تفاصيله.
ولعل احتفاء المسرح الوطني بعيد ميلاده الأربعين هذه السنة خير دليل على أن المسرح التونسي اضطلع بدور ريادي داخل البلاد وخارجها في نحت الذائقة الفنية، ما جعل الفن الرابع يحوز على مدى الزمن المستمر مكانة مرموقة خالدة في وجدان التونسيين الذين لم يقطعوا البتة أواصر تعلقهم بارتياد فضاءات المسارح، ولم يتنصلوا من عشقهم للركح ولما يهبه لهم من معان ترصّف بعدئذ رؤاهم للحياة التي يعيشونها.
وقد قدم المسرح الوطني على امتداد مسيرته المتواصلة أعمالا وتجارب ظلت علامات فارقة في فن الركح على الصعيد الوطني والإقليمي والعالمي، وبرهنت أن الإبداع لا تقيده حدود ولا يسجنه ركح، وأنه رغم ضيق المساحة فإن المسرح يحلق بأحبته ويصعد بهم إلى أعلى الآفاق وأرحبها.
عاش المسرح، عاش المسرح التونسي، عاش المسرح الوطني التونسي، كل عام والمسرحيون ببلادنا وبجميع أنحاء العالم مبدعون.
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى