أخبار ثقافية
بيان وزارة الشؤون الثقافية بمناسبة اليوم العالمي للتّنوّع الثّقافي من أجل الحوار والتّنمية
نحتفل مع سائر العالم يوم 21 ماي من كلّ سنة باليوم العالمي للتّنوّع الثّقافي من أجل الحوار والتّنمية وهو احتفاء بالثّقافات في خصوصيّاتها ومميّزاتها وانفتاحها على الآخر وفي ثرائها ومغامراتها الدّائمة لاستكشاف اللّامتعارف، كما نحتفل في الآن ذاته بالدّور الأساسي الذي يلعبه الحوار بين الثّقافات في تحقيق السّلام والتّنمية المستدامة.
أعلنت الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة هذا اليوم العالمي سنة 2002 بعد أن اعتمدت اليونسكو في سنة 2001 الإعلان العالمي للتّنوّع الثّقافي وذلك اعترافا بـ “ضرورة تعزيز الإمكانيّة التي تمثلها الثّقافة بوصفها وسيلة لتحقيق الازدهار والتّنمية المستدامة والتّعايش السّلمي على الصعيد العالمي” وباعتبارها رصيدا مُتنوّعًا ومُتعدّدًا يُمكن اعتماده مُنطلقا للابتكار والتّجديد.
ومع اعتماد الأمم المتّحدة في شهر سبتمبر 2015 لخطّة التّنمية المستدامة لعام 2030، باتت رسالة اليوم العالمي للتّنوّع الثّقافي من أجل الحوار والتّنمية أكثر أهمّيةً من أيّ وقت مضى بالنّظر إلى ما يشهده العالم من صراعات وحروب ونزاعات مُسلّحة قائمة على التّعصّب الفكري والعرقي ومن خلافات تمزّق نسيجه وتهدّد السّلم والأمن الدّوليين وتُعيق النّموّ والتّطوّر الاقتصادي للعديد من البلدان.
ومن منطلق توق الشّعوب إلى السّلم والعدالة الاجتماعيّة والتّقدّم الاقتصادي، فإن القيم الإنسانيّة المشتركة والاعتراف بالآخر والإقرار بمكانة خصوصياته الثّقافيّة والحضاريّة ضمن البناء الحضاري الكوني، تمثّل جميعها أسّا لكلّ حوار يهدف إلى إقامة تحالف إنساني ويضع حدّا للخلافات.
وإذا ما سلّمنا بأن القيم الحضاريّة والقواعد المشتركة للإنسانية تستوعب التعدّدية الفكرية والعقائديّة وتؤمن بضرورة التّعايش بين الأديان والأعراق و الانفتاح على ثمار الحضارات الإنسانيّة المتعدّدة فإنه لا يمكن تحقيق أهداف التّنمية المستدامة الـسّبعة عشر التّي ضبطتها هذه الخطّة على أفضل وجه إلّا من خلال الاعتماد على الإمكانات الإبداعيّة الكامنة في ثقافات العالم المتنوّعة فالوحدة تكمنُ في التّنوّع، ذلك أنّ الفوارق بين الثّقافات، مصدرُ تطوّرها وإشعاعها والحفاظ على أنساقها الأصليّة، لا يمنعُ التّثاقف والتواصل بينها.
إنّ الحوار بين الثّقافات والحضارات يُمثّل تراكميّة رائعة نهلت من قيم كونيّة تبلورت معالمها منذ نشأة أولى الحضارات الإنسانيّة وأصبحت تحظى بشبه إجماع في كلّ المجتمعات البشريّة، فهذا السّعي العالمي الدّؤوب نحو بناء الثّقة المتبادلة ونبذ مختلف أشكال التّمييز والعنف وتحقيق التّضامن الفكري والمعنوي الذّي ينصّ عليه ميثاق اليونسكو صار في عصر الذّكاء الاصطناعي والتّطوّر التّكنولوجي الذي يسمُ مجتمعاتنا الحديثة ضرورةً لإقامة وجودنا ونسيجًا تنمو به مجتمعاتنا ومطلبًا لا غنًى لنا عنه لإنتاج الثّروة وبناء القيم.
يؤسّس لهذا البناء الحضاري الخلاق والمنفتح والمتسامح شبابٌ مبدعٌ يتحلّى بروح المبادرة وملكة البحث والتّغيير ويتطلّع نحو التّجديد والانخراط في مسار الحداثة والتّطوّر التكنولوجي؛ أجيالٌ نشأت على قيم الانفتاح والتّنوّع الثّقافي الذي يحترم الآخر ولا يُقلّل في نفس الوقت من قيمة الذّات القادرة على رفع الرّهانات الثقافية المستجدة والمساهمة الفعّالة في مسيرة الحضارة الإنسانيّة.
إنّ دور المثقّفين والمبدعين في غرس معاني التّعايش السّلمي والتّواصل بين الأعراق والثّقافات والحضارات هو دور فعّال وبنّاء خاصّة وأنّ لنا في أعلامنا ومفكّرينا من الرّموز التي تميّزت بإبداعاتها ومؤلفاتها الفكريّة ولنا في تاريخنا من الشواهد التي تُبرز أهمية ومكانة الإسهامات الحضارية لمختلف الحقب التاريخية التي مرّت بها بلادنا وتؤكد قيم التّسامح والانفتاح على الآخر.
في هذا الإطار، تعمل تونس على تأكيد انتمائها إلى المجال الحضاري المتوسّطي والإفريقي والعربي والإسلامي و ذلك بإقامة علاقات ثقافية تدعمُ التّقارب و التّعارف وتطوّر فرص التّعاون من خلال تعزيز الدّبلوماسيّة الثّقافيّة وتطوير سبل التّبادل الُثّقافي كما تُنسّق مع المنظّمات الدّوليّة والإقليميّة والعربيّة لتنفيذ العديد من البرامج والأنشطة الهادفة إلى التّثمين المستدام والنّاجع للتّراث والتّعريف بمساهمة أعلام بلادنا وعُلمائها، على مدى التّاريخ في إثراء الحضارة الإنسانيّة ورفدها بقيم التّسامح والتّعاون بين الأمم والشّعو ب والأديان.
كما تحرص بلادنا على ضمان تواصل إسهاماتها في بناء الحضارة الكونيّة بتطوير آليات إسناد الإبداع والمبدعين في مختلف المجالات الفكريّة والفنّية وبالانخراط في الصّيرورة الثّقافيّة والحضاريّة المعاصرة والحديثة التي تعتمد التّكنولوجيات الرّقميّة عبر برامج المرافقة والتّحفيز للمؤسّسات النّاشئة في مجال الصّناعات الثّقافيّة والإبداعيّة الرّقميّة لدفع الابتكار والتّجديد ومساعدة المبدعين على إنتاج مضامين قادرة على الإشعاع عالميّا والمساهمة في خلق التّنمية وتكريس مفاهيم التّسامح والتّآخي.
هذا فضلا عن تثمين التّراث والخصوصيّات الثقافيّة المحليّة والجهويّة في علاقة بالتّنمية البشرية والاقتصاديّة من خلال وضع وتنفيذ خطة لإدماج التراث بمختلف مكوناته وعناصره المادية وغير المادية والبيئية في الدورة الاقتصادية والاجتماعيّة وتعزيز التّنوّع الثّقافي بوصفه عامل ثراء وتميّز حضاري وبالعمل على تثمين عناصره ومكوناته على النّطاق العالمي من خلال تسجيله ضمن قوائم التّراث العالمي لمنظّمة اليونسكو.