يزخر هذا البلد الصغير، تونس، بإمكانيات لا محدودة وبتاريخ ثقافي إستثنائي يقف صرحا شامخا في رصيد البشرية.
لتونس أيضا نقائصها، أو بشكل أدق، تقصيرها في جعل نقاط قوتها نجوما تجذب العالم إلى جبالها وقراها، ومعالمها التاريخية ومواقعها الأثرية والثقافية.
بقدر عراقة هذا البلد وزخمه التاريخي، بقدر التحديات التي تفرض نفسها أمامنا كلّ يوم، حتى نضع استراتيجيات نعمل من خلالها على تطوير مكاسبنا وخلق مشاريع في المجالات التي لم تستكشف بعد.
تنطلق اليوم فعاليات شهر التراث، ليكون فرصة للاحتفاء بهويتنا كتونسيين في تأصلها وتنوعها وتجددها، وهو أيضا منعرج في رؤيتنا للأمور وتصورنا لمواصلة العمل على ما بنته أجيال قبلنا، ولما يمكن أن نضيفه لهذه المسيرة ونتركه لأجيال تستلم التسيير والتفكير في تونس ملتقى للحضارات في الأصل ومحل اكتشاف في المستقبل.
يتزامن هذا الشهر مع حدثين بارزين: اليوم العالمي للمعالم والمواقع الأثرية واليوم العالمي للمتاحف، وإن كانت لتونس تقاليد كبرى في صيانة معالمها وكسب الإعتراف العالمي بها، ومحاولات جمة في جعل متاحفها ثروة محلية وعالمية، فإنّنا نعتبر اليوم أن تونس برمّتها متحف كبير، نجد في كل ركن منه أثرا لذاكرتنا الجماعية، ونرنو إلى رسم ملامحه بكل تفاصيلها، حتى نتعرّف أولا نحن التونسيون بعمق أكبر على تاريخنا بمختلف أبعاده وحتى نعرّف الكون لا فقط على تراثنا الماديّ، بل على كل التجارب الثقافية والسمات التي جعلت منا ما نحن عليه، في تكوين شخصيتنا وفي إثراء تنوّعنا.
كبيرة هي التحديات، أمام هذا الشعب الذي ارتجل الأغاني من حقول القمح، وأرّخ بشعره الشعبي لحروبه ومعاركه الكبرى وتغنى بكبار أسمائه التي تناساها التاريخ، وأسّس بملحونه للحب وللغزل.
كتب هذا الشعب تاريخه على الجدران ورسم تقاليد عيشه بخصوصيات لباسه وبصناعات متنوعة منها ما تعرفنا إليه ومنها ما نرنو إلى اكتشافه.
شهر التراث، سيكون هذه السنة افتراضيا، ولعله تمرين لنحتل مكانتنا في العالم الرقمي، لتزورنا البلدان لا فقط في المواسم السياحية، بل لنتحول إلى وجهة يومية من قبل كل من استطاع من سكان الأرض، ولنثمّن كذلك، دور هذا القطاع في التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية وتطوير أثرها على المشهد التونسي.
بهذه المناسبة، تتجدد رهانات كبرى أمام كل المشرفين على التراث، من مجتمع مدني وهياكل وطنية وخواص وفاعلين في القطاع، حتى نسبر أغوار تاريخنا ونقدمه ثروة وطنية تشرّف تونس وتعترف بالجميل للمساهمين في وجودها اليوم.
وهي مناسبة أيضا لأحيّي كل الباحثين والمحافظين والمهندسين والحراس وكل العاملين في قطاع التراث على جهودهم خاصة في هذا الظرف الاستثنائي الذي تمر به بلادنا كسائر بلدان العالم، وحثهم على مواصلة العمل من أجل ثقافة تونسية بارزة.
عاشت تونس سيدة نفسها.
شيراز العتيري